تنبيه :

يرجى ذكر المصدر عند النقل من المدونة مع الشكر

الثلاثاء، 12 مارس 2013

الحلقة الثانية من زيارة دولة الكويت

٢/ رحلتنا الى الكويت : ويارجالاً أحلتني مرؤتهم في أي محتضنٍ من أي محتضن !


في يومنا الأول وبعد أن أنتهينا من وجبة الغداء كانت الشمس تؤذن بالمغيب ، ولا حاجة لنا بالشمس والوجوة الكريمة أمامنا مشرقةٌ بالبشر والأريحيةِ ، أقترح أبو مساعد أن نقضي الليلة الأولى في جولة مع أبنيه الكريمين : مساعد ونافع ، فوافقنا على الفور ثم توجهت بالطلب - على إنفراد - الى الأخ نافع الأبن ألاصغر سناً والأكثر تمرداً فهمست في أذنه ( إلى سوق شرق ) أرنا هذا السوق الفاتن الذي قال فيه الشعراء أكثر مماقيل في الرصافة . فقال ضاحكاً : إن هذا السوق أصبح في مؤخرة قطار المنافسة بل وأقرب إلى كنيسة أرذوثكسية في شارع الشانزليزية ! قلت لابد أن نذهب إليه لأتأكد من صحة قول ذلك الصعلوك محمد أبن الذئب - فك الله أسره - حين قال : 

جنبوا عن سوق شرقٍ حسبنا الله وعلاه 

فيه بنت الهاص طاغيةٍ على بنت السبيت 

وان لمحها شيبة الديمن تعثر في عصاه .

وافقني نافع - مشفقاً علي - ولم أعرض طلبي على صديقي الشاعر لأن أبا عبدالرحمن من الذين قيل فيهم : 

وأذا صاحبت فأصحب ماجداً 

ذا حياءٍ ووفاءٍ وكرم 

قوله للشي : لا ان قلت لا 

وأذا قلت نعم ، قال : نعم 

أتجهنا الى سوق شرق وكل الذي يشغل بالي كيف أستطاع أبن الذيب أن يدمج النساء في أجواء أوراق ( البلوت ) وهل أنه محقٌ حين رأى أن حياة العشاق لعبة تبدأ بصفقة رابحة وقد تنتهي بصفقة خاسرة ! حتى الرجل المسن لازال في قلبهِ خفقان لايهدأ ! فماهو حالنا حين نذهب إلى سوق شرق ونرى بنت الهاص الطاغية وبنت السبيت المطغيّ عليها ؟ ولكني لو رأيت ذلك (الشايب) يتعثر في عصاة لن أسنده ولو تحطمت بقايا عظامة مادام أنه عازمٌ على الدخول في حمى المنافسة !
ولكن شئياً بدد كل تخيلاتي وأوهامي هو سوق شرق نفسه رأيته يقف بهدؤ ورهبة وكأنه أصبح شيخ مولات الكويت حتى مرتادية كأنهم يتحدثون همساً في حضرة سوقاً بلغ سن الرشد وكأنه شيخاً يتهامس أحفادة في حضرته خوفاً من إزعاجه الذي قد يتسبب في إخراجهم من المكان ، لم نجد ذلك الصخب الذي لازمه في قصائد الشعراء ولكن أين يذهب سوق شرق من الشعراء شهود التاريخ ؟ 
في مقهى ستار بكس - شرق شربنا قهوتنا وتناولنا الأحاديث مع أخوةٍ كرام يتنقون الكلمات كما يتنقى عاشق التمر أطايب التمر ، وخرجنا بعد أن أشاروا إلينا بالعشاء فقلنا مادام الأمر شورى فأنه لاحاجة لنا بعشاء بعد ذلك الغداء الفاخر .. وضننا أنهم سينزلون عند رغبتنا وأنهم أقل عناداً من أبيهم - ولكنه عناد الكرماء - فوجدناهم حيث قال الشاعر : 
وينشأ ناشي الفتيان فينا ... على ماكان عودهُ أبوهُ . 
ففرضوا علينا بعنادهم البجلي وكرمهم الفطري المتوارث عشاءً لايفوق طعمه إلا حفاوتهم وتفاعل ناصر بن دغش المعتاد مع مالذ وطاب من الوجبات ! 
ثم عدنا إلى المنزل وقضينا وقتاً جميلاً مع أبي مساعد الذي كان يسألنا عن إنطباعتنا وكيف كانت الجولة ؟ ولكن أنى تأتي الأجابة من السنٍ عقدتها الحفاوة . 

الأفينيوز : وجبة أفطار على مذهب الشعراء :
في الساعة العاشرة صباحاً أيقضنا أبو مساعد وقال لنا : سنفطر في الأفينيوز ، 
ووصلنا أفينيوز ومادراك ماأفينيوز كأن الثقافات صهرت من بلاد الباسفيك الى أطراف جبال الأنديز !وصبت في هذا المكان . 
كأنك في محشر إلا أنه لاسؤال ولا خوف !
أن أردت أن تعرّف العولمة فلا تلتفت لكل التعريفات الفلسفية فقط أذهب إلى افينيوز ! 
ولو جاء على بن الجهم اليوم ودخل أفينيوز سيرى أن قصيدته عيون المها بين الرصافة والجسرِ ،، ماهي إلا عبث بل أنها ستعود في مستوى قصيدته التي شبه فيها الخليفة بالكلب والتيس ! 
الساعة العاشرة صباحاً وهذا المجمع لايهدأ خلافاً على ماتعودناه في بلادنا بأن المولات لاتزدحم إلا ليلاً . 
ولكن هناك في أطراف الأفينيوز جزء أقيم ليقول للعولمة نحن هنا وتراث الكويت قائمٌ ولو كان تيارك هادر ، والأصالة ثابتة جذورها ولو هبت المعاصرة بريح كريح ثمود ، أنه سوق يحاكي سوق المباركية القديم والذي سيأتي الحديث عنه لاحقاً . 
دخلنا إلى أحد مطاعم الأفينيوز لتناول الأفطار فحين أشار إليّ أبا مساعد بالجلوس نظرت وأذا بالنساء يجلسن في الطاولات المجاورة ففزعت وتوقفت قلت : عوائل عوائل ، فضحك أبو مساعد وأشار الي بالجلوس مرةً أخرى ، فجلست ورهبة الفصل بين النساء والرجال تتملكني ، هنا لايفصل الرجال عن النساء برغم ذلك لم ينظر الرجل إلى المرأة بأنها شاة ، ولم تنظر المرأة إلى الرجل بأنه ذئب ، بل نظر أحدهما إلى الآخر بأنه إنسان وجلوس المرأة والرجل على طاولات منفصلةٍ في مكان عام ليس خروج عن الأدب ولكن الخروج عن الأدب حين يتتبع الرجل المرأة وهي بكامل حجابها ولو كانت منفصلةً عنه . 

أنهينا فطورنا وأذا بأذان الظهر يصدح في جنبات الأفينيوز فنهضت مفزوعاً حين جاءت القهوة فقال أبو مساعد : إلى أين قلت له المحل سيغلق فقال : (أجلس يامعود ماكو مكان يغلق عندنا) لأن من يريد أن يصلي لن يدفعه إغلاق المحل إلى الصلاة ، فأمر إلاغلاق هنا أختياري 
من أراد أن يغلق محله فليفعل ومن لم يرد فلا أحد يجبره ! 
وتجولنا بعد ذلك في أرجاء هذا السوق الضخم الذي يكبر يوماً بعد يوم ، فأن كان سوق شرق هو شيخ مولات الكويت فأن أفينيوز هو الشاب المتوقد الذي يثب إلى المستقبل ويشغل الحاضر . 
عدنا بعد هذه الجولة الجميلة إلى منزل أبي مساعد لنستعيد نشاطنا إستعداداً للجولة المسائية التي بدأت بأستعراض الشوارع الرئسية بأتجاه السالمية مروراً مجمع (ثري سكستي - 360 ) ومنها إلى منطقة الفحيحيل فلفت انتباهنا مبنى جميل على الطريقة الكلاسيكية فأخبرنا أبو مساعد أنه مجمع ( الكوت ) في منطقة الفحيحيل والكوت باللغة البرتغالية تعني القلعة ، فأوقفتا سيارتنا وولجنا المبنى الذي قسم الى ممرات مسماة بأسماء شيوخ الكويت عبر التاريخ الكويتي من آل الصباح الكرام . 
وفي وسطة بركة ماء كبيرة تعلو فيها النوافير وعلى ضفة هذه البحيرة الصغيرة مجموعة من المقاهي والمطاعم فلم نستطع حينها مقاومة الرغبة في الجلوس وكان لقطرات المطر المتساقطة بهدؤ فعل السحر على قلوبنا ، فأخذنا مكاننا في أحدى الجلسات وأحتسينا قهوتنا وأمضينا أجمل وقت ، فلوكنت في السجن - لاسمح الله - فلن تشعر بثقل المكان ورفيقك أبو مساعد . 
بعدها أتجه بنا أبو مساعد إلى فندق الهيلتون وتناولنا عشاءنا في مكانٍ لا أجمل منه إلا من أتى بنا إليه .

اللقاء القادم : 
جولة في الكويت القديمة ... لكل شيءٍ إذا ماتم بنيانُ !