تنبيه :

يرجى ذكر المصدر عند النقل من المدونة مع الشكر

الاثنين، 25 مارس 2013

وفاة " سيبويه " الكويت : الدكتور خالد الميعان


أنتقل إلى رحمة الله تعالى خالي وإستاذي عالم النحو والصرف
الدكتور خالد بن عبدالكريم الميعان
فجر يوم السبت 23 مارس 2013


وبوفاة هذا العالم اللغوي خسرت الثقافة الكويتية محققاً وباحثاً متميزياً أعطى الكثير للثقافة عموماً وللأدب واللغة العربية خصوصاً

رحم الله خالي الدكتور خالد رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته
وإنا لله وإنا إليه راجعون

وكنت في سبتمبر 2011م قد وضعت للمرحوم بإذنه تعالى ترجمة مختصرة
 على الرابط التالي : ( اضغط هنا )

***********

وبالأمس كتب الأستاذ فيصل العلي بجرية القبس الكويتية مقالة بعنوان :


وكتب الأستاذ وليد الرجيب بجريدة الراي الكويتية مقال بعنوان :
رحل فقيه اللغة والتراث

الجمعة، 15 مارس 2013

الحلقة الخامسة من زيارة دولة الكويت


5/ نبض الختام : وتلفتت عيني فمذ خفيت ... عني الكويتُ تلفت القلبُ ! 

بعد أن ودعنا مضيفنا الكريم الشيخ : بدر بن خلف العتيبي ، وغادرنا منزلة . لم يتجه بنا أبو مساعد إلى البيت وكأنه بحاسته الكريمة يعلم بأنني وصديقي الشاعر كائنات ليلية تتجافى جنوبها عن المضاجع ،، في سبيل الصياعة المباحة ، والتسكع المشروع ، سألنا أبو مساعد الى أين تريدون الأتجاه ، فأجبته على الفور : مجمع الكوت . 
في مقهى كوستا كوفي الكوت ، كان الجو ممتعاً والمكان يعج بالمتنزهين شربنا قهوتنا وخضنا في أعذب الأحاديث ، وغادرنا المكان وفي النفس منه شيءٌ !. 

وفي طريقنا إلى المنزل أقترح علينا أبو مساعد أن إفطار يوم غدٍ الجمعة سيكون في ( برندة المنزل ) والبرندة هي ( البلكونه ) وقد كنا نسميها في الماضي برندةً قبل أن يطغى إسم البلكونة على الأذهان ولا أعلم أصلاً لهذه المسميات ، ولو كنت ضليعاً في لغة الفرنجة وبقايا الصليبيين لأفدتكم عنها ، ولكني أعتقد - والمعلومة ليست موثوقة - أن برندة أصلها عربي متفرنج وليست فرنجيةٌ متعربنه فمثلها مثل إسم أوباما الذي أصل أسمه أبو عمامة ، وشكسبير الذي كان إسمه الشيخ زبير !! 
وبرندة يعود اصلها الى (مبردة ) أي أن أصحاب المنزل يجلسون فيها من أجل الأستمتاع بالجو البارد !
لم نحظ بالجلوس في البرندة لأن رحمة السماء أغاثت القلوب بأمطار متوسطة فأستيقظنا ووجدنا أبا مساعد ومساعد يعدان الأفطار في الديوانية معتذرين بوجود الأمطار ، وأين يكن ابو مساعد فثم المتعةُ والراحة والجمال . 
كان لهذا الأفطار المنزلي نكهةً خاصة ، وخاصةً حين أخذ المهندس مساعد يقلب الجمر تحت أباريق الشاي والقهوة ، وأبو مساعد يرتب الأفطار اللذيذ الأنيق بطريقته الأنيقة الجذابة ، كل شيءً أقاومة ألا الفول فأنه يغريني حتى في حالة الشبع ، فكيف أقاومة وهو يخرج ساخناً من تلك الجرة الذهبية الأنيقة ؟ 
أفطرنا على مالذ وطاب وذهبنا إلى صلاة الجمعة ، موعودون بالغداء الختامي ، في نفس المكان . 

غداء بنكهة برلمانية : ! 
قبل أن نتحدث عن جلسة الغداء ومادار فيها من نقاشات ، أريد أن أذكر أن زيارتنا للكويت جاءت بعد أسبوعين ساخنين من الأنتخابات النيابية لمجلس الأمة وماتلاها من ردود أفعال! 
فبعد أن حل أميرُ البلاد مجلس الأمة السابق أحدث تعديلاً جديداً في قانون الأنتخابات حيث تم تعديل نظام الأربعة الأصوات إلى نظام الصوت الواحد ، أي أنه لايحق للناخب أن يمنح صوته إلا لمرشح واحد فقط . حينها رأى بعض المعارضين في كتل سياسية متعددة أن هذا الأمر لايصب في صالحهم ، ورأى البعض الآخر أن مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد !. 
وبحسب معلوماتي المتواضعة في الشؤون الديموقراطية - كوني أنتسب لبلد لايحكم فيه إلا أهل القرآن -!! فأنني أتوقع أن نظام الصوت الواحد موجودٌ في أعرق البلدان ديموقراطيةً وليس ببدعٍ من القول أن يقر في بلد يعد واحة الديموقراطية العربية منذ أكثر من خمسين عاماً !وأنا لاأتحدث هنا بلغة التخندق أو التحيز لفئية لأن هذا شأنٌ كويتي بحت ، ولكن لايمنع أن يطل صعلوكٌ حجازي من نافذتة الفولاذية ليشتم هواءً لم تعتد عليه حواسه ! . علماً أن نظام الصوت الواحد الصادر بمرسوم أميري تم الطعن فيه في المحكمة الدستورية العلياء والتي لها كامل الصلاحيات القضائية وأصدار الأحكام والغاء الأوامر ولا يستثنى من ذلك حتي أوامر أمير البلاد ... هذه الكويت ياسادة ، في الوقت الذي يقف فيه بعض الملوك والحكام بكامل الحصانة والقداسة ليقولون لانريكم إلا مانرى - تقف الكويت بمؤسساتها لتضع الحق في نصابة ، لأن الحق أولى من الرجال حتى ولو كانوا حكاماً ! . عذراً على هذا الأستطراد الذي لابد منه ، ولن تنسينا الأحداث ذلك الغداء الفاخر شكلاً ومضموناً .
أمضيناً وقتاً ممتعاً مع الأخوة الكرام الذين أجتمعوا على مأدبة الغداء ، وودعونا جميعاً وبقي أبو مساعد يتحدث بأسهاب وتمكن عن مسيرة البحارة الكويتيين وكيف كان يتم تواصلهم مع أهلهم ، والمشاق التي تواجههم ، وقرأ لنا من (روزنامة) أحد النواخذة القدماء ، والروزنامة هي مجموعة الأوراق التي يدوّن فيها النوخذه يومياته ومحطة وقوفة وحركة الرياح والموج ، والوضع العام على ظهر السفينة . ولا أخفيكم أننا وجدنا متعة وفائدة حين تحدث أبو مساعد عن هذا الموضوع الغريب على أناسٍ ترتفع قراهم عن سطح البحر بأكثر من الف وسبعمائة متر ! وأبو مساعد ممتع الحديث في أي شأنٍ يتناوله . 

زيارةٌ من صداها ترضع الحقبُ ! 
جهزنا حقائبنا وودعنا أحفاد أبي مساعد وأصر المهندس مساعد أن يرافقنا مع أبيه إلى المطار ، وبعد أن أنهينا أجراءات الخروج جلسنا في أحد مقاهي المطار ولم يرضيا أبو مساعد ومساعد بوداعنا إلافي آخر نقطة يسمح للمودعين الوصول إليها .

ودعنا أبا مساعد وبما أن كل إنسانٍ يتصف بذاكرةٍ ترتكب أخطاء ، فلا أخفيكم أن ذاكرتي أرتكبت بعضاً من تلك الأخطاء ، ولكن الذي لم ولن تستطع ذاكرتي إرتكابه هو نسيان هذه الرحلة ، بل أنها لن تستطيع أن تنسى أدق الجزئيات التي أكرمنا بها أبو مساعد .
لن تكون ذاكرتي يوماً ما معصومة ، ولكنها أيضاً لن تكون - حين أذكر أبا مساعد - من نوع الذاكرة (البروستية) التي أسماها مارسيل بروست (البحث عن الزمن الضائع) لأن الأيام التي قضيناها مع هذا الرجل الأنسان تعد في مصاف الزمن الذي يجعلك تعثر على نفسك بل وتعثر على الشيم والقيم والأخلاق متى مافقدت .
شكراً ! وماشكراً ياأبامساعد ؟ إنها كلمةٌ تافهةٌ تلقى حتفها عند ظفر إبهامك الندي ، ولكن دعاءنا لك ياكريم السجايا لأن الدعاء باقٍ حين نفنى ، مذكورٌ حين ننسى ، مستجاب بأذن - المولى الكريم - حين نبخل بذكر الكرماء من أمثالك . 
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم ان يمتعنا بطول عمرك على الصحة والعافية والطاعة والخير والمعروف ، وأن يبارك لك في ذريتك ومالك وأن يغفر لك ذنبك ويجمعنا بك في هذه الدنيا وأخوةً في الله على سررٍ من نورحين نلقى ربنا .

الخميس، 14 مارس 2013

الحلقة الرابعة من زيارة دولة الكويت


٤ / ديوانيات الكويت ... مجالسٌ وجلساء .

بعد أن تناولنا القهوة بجوار أبراج الكويت ، عرج بنا أبو مساعد إلى ( مسقط رأسه ) أي المستشفى الأمريكاني وسكن الممرضات كما يسمى في الكويت ، ويعد الآن من المعالم التاريخية ، ولقد أنشيء هذا المركز الطبي لغرض ٍ ظاهرة أنساني وباطنه عقائدي ،لتنطلق منه حملات التبشير ( التنصير ) وبقي المستشفى يقدم خدماته الطبية وبقي الكويتيون على عقيدتهم يركبون البحر وهم يرددون ( (بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ) لم تخُتطف عقيدتهم العميقة كعمق البحر الذي يركبونه في رحلات المكابدة المرتبطة بالتوكل على الواحد الذي لاثاني له . ولم يتوقف الغربيون عن مهامهم الطبية حتى وجدوا أن النهضة الكويتية تجاوزت أمكاناتهم فبقي المكان آثراً تأريخياً شاهداً على توحيد هؤلاء الناس . وفي هذه الجولة رأينا قصر دسمان الذي أرتبط بأسرة آل الصباح والرمز السياسي لأدارة الحكم الكويتية ، وأيضاً قصر السيف التأريخي .
وفي دولة تعتبر مضرب مثل للتعايش الديني تقف ( الكنيسة ) غير مستوحشة ولا خائفة وكأنها تفسر ( لا إكراه في الدين ) ذلك التفسير العملي الذي لايكتفي بالألفاظ ، وتدبيج العبارات . 
أستهلينا جولة المساء بمكتبة العروبة وهي دار نشر ضخمة يمتلكها النحويُ البارع الدكتور خالد بن عبدالكريم الميعان - شافاه الله -
والدكتور خالد عضو في رابطة الأدباء الكويتيين منذ عام 1970م وتولى رئاسة تحرير مجلة "البيان" التي تصدرها الرابطة لمدة عامين ؛ وعضواً في جمعية أعضاء هيئة التدريس بجامعة الكويت منذ 1984م وتولى رئاسة الجمعية 6 سنوات ، وانتدب مديراً لمعهد المخطوطات العربية التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (جامعة الدول العربية) لمدة أربع سنوات ، وعمل عضواُ في كل من : المجلس العلمي الاستشاري لجامعة الكويت ؛ ولجنة تشجيع المؤلفات الكويتية التابعة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ؛ ولجنة الرقابة على المطبوعات التابعة لوزارة الاعلام ، وقد شارك الدكتور خالد في عدة مؤتمرات وندوات علمية في دولة الكويت وحلب وباكستان وغيرها ، وله كثير من المؤلفات والبحوث ، ويعد من أبرز اللغويين والنحويين العرب المعاصرين . 
ولقد تعرضت مكتبة دار العروبة قبل شهور لحريقٍ أتى على ثلثها تقريباً . والمكتبة ذاكرة الأمة وحين تفقد جزء منها فأن الأمة تفقد جزء من ذاكرتها ، ومصائب إحتراق المكتبات وأحراقها من أعظم المصائب التي تتعرض لها أمةٌ من الأمم ، لقد أغرق هولاكو جزء من ذاكرتنا في بلاد الرافدين ، وأحرق خيمينس الأحمق الجزء الأخر في الأندلس فردوسنا المفقود ، ولكن مكتبة دار العروبة محظوطةٌ كونها في الكويت - التي يدعم حكامها صروح الثقافة والعلم والفكر بكل كرم وبدون تردد. 
وللحق فأن دار العروبة مكتبةٌ ثريةٌ ويديرها المحامي المثقف الأستاذ عماد جاسم أبو راشد ، ووجدنا من العاملين فيها حفاوة كبيرة وكأنهم حين عاشوا بين الكتب أخذوا صفة الكتاب وأصبحوا خير جلساء في خير مكان ، ووجدت فيها عناوين كنت أبحث عنها في مكتبات جده والرياض ولم أجدها ، فكأني عثرت على كنز ، ومن العناوين التي حضيت بالحصول عليها رواية ديستوفسكي مهانون ومذلون ، روايتا أيزابيلا الليندي الجزيرة تحت البحر وحصيلة الأيام ...و هنري ميللرالكتب في حياتي ، والأعمال الكاملة لأمل دنقل ، ورسالة في اللاهوت والسياسة للمفكر العظيم سبينوزا ، وغيرها من الكتب التي كنت أبحث عنها كمصدر ورقي متكامل .لعدم قناعتي الكاملة في الكتب المحملة الكترونياً . 
قيل أن ننهي زيارتنا لمكتبة دار العروبة سجلت كلمةً تضمنت بيتين من الشعر : 
تزايد العلم وتوهج شبوبه 
............فكر ورصانه واهتمام وحقائق 
تجمّعت في قلب دار العروبة 
.............و توقدت حتى وصارت حرائق !

من دار العروبة توجهنا إلى ديوانية المهندس وليد بن محمد الغزالي ، ووجدنا من أبي خالد ومن الحاضرين كل الحفاوة والتقدير ، كان الوقت بعد العشاء حيث موعد لقاء الديوانية ، يتحدث الجميع عن أحداث الساعة - ليست الساعة الآخرة - بل الأحداث الحاضرة . والديوانيات في الكويت - حسب تصنيف أبي مساعد - تاخذ عدة صور فهناك ديوانيات كبار السن تعقد من بعد المغرب إلى العشاء ، ثم ديوانيات المنتصفين في اعمارهم أي الستينيون والخمسينيون وبعض الأربعينيين وتعقد ساعة بعد العشاء ، وهناك ديوانيات الشباب وهي لاتلتزم بوقت محدد فقد تستمر إلى الفجر وقد تتجاوز الفجر وقد تعمل مدار الوقت . 
وبما أن الساحة الكويتية ساحةً ساخنة - سياسياً - والسياسة في الكويت ليست من الصغائر ولا الكبائر الموبقات كبعض البلدان ! لذلك فأن الديوانيات غالباً ماتكون لمناقشة الواقع السياسي وتتباين فيها الآراء وتتفق بصيغة ديالكتيكية مرنه ، وديناميكية لاتظهر فيها لغة الأقصاء . 
أما من حيث الموقع فأن الديوانية تاخذ مكانها في السرداب ، أو البدروم كما يسمى في بعض البلدان ، ولكنها ليست سراديب ولا ملاجيء بل أنها واجهة حضارية متميزة ، فحين يرتبط السرداب بحالتي الفزع والخوف ففي الكويت يرتبط السرداب بمكان الأجتماع الآمن الجميل والكرم الأجمل . 
غادرنا ديوانية المهندس وليد الغزالي ، وكان أبو مساعد على إتفاق مع أبنيه الكريمين مساعد ونافع وزوج أبنته المهندس طارق ، أتفقوا على أن نتناول العشاء في فندق ( رويال ) في منطقة ( بنيد القار ) وكلمة بنيد يعود أصلها إلى كلمة ( بندر ) والمقصود به المينا ، ومع مرور الزمن تم تصغير كلمة بندر ألى بنيدر ومنها إلى بنيد ! و في فندق رويال ببنيدالقار حيث مطعم المرسى الفاخر للأسماك ومايجود به البحر الذي يقدم وجبات السمك المتوارثة في المجتمع الكويتي منذ الأزل ، ومنذ أن ولجنا الى الدرج المؤدي إلى السرداب حيث المطعم أستوقفتنا جداريات موشاة بزخارف تحاكي البئية الكويتية ، ومجموعة كبيرة من الصور توثق لمراحل التنمية الكويتية عبر تاريخها ، والسفن التي تمثل الماضي بكل أنواعها أمثال (السنبوك ) (والبوم ) (وبغلة) ( وشوعي ) وغيرها ، وصور للأدوات التي يستخدمها البحارة القدماء ، وصور للأحياء القديمة ، والحياة العامة ليوميات الأنسان الكويتي ، مروراً بالصور التي توثق لبداية مرحلة التخطيط والتنمية التي بدأت تاخذ شكلها الحالي منذ أواسط الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي . 
في داخل مطعم المرسى كأنك في زيارة إلى الماضي ، الجداريات ، الأضاءة أطباق الزبيدي ، والبالول ، وأصناف الأطباق الأخرى المتصالحة مع لمسات المعاصرة ، قضينا ساعات جميلة وكنا آخر من غادر المطعم لاعجباً رأيناه إلا ذلك الكرم وتلك الأريحية التي يحفنا بها مضيفونا أكرمهم الله . 

لابد من ( أفينيوز ) وان قرب السفر ! 
في صباح الخميس كانت الأمطار الخفيفة تلطف القلوب وتسبغ الأجواء بالرحمة ، أقترح علينا أبو مساعد أن يكون الأفطار في ( شوكليت بار ) فوصلنا إليه ولم نستطع - من كثرة الجالسين - ان نلقى مكاناً تحت المظلات الخارجية ، وفي الداخل كانت الطاولات تزدحم بالبشر ، أخذنا مكاناً بين هذه الجموع ، ولكني أقترحت على أبي مساعد الذي يكرم ضيفه بكل التفاصيل - أقترحت أن نتناول فطورنا في الافينيوز ذلك السوق الضخم الذي لاتكفي الأحاطة به جولةً ولا جولتان. 
وافقني أبو مساعد الرأي وتناولنا أفطارنا في الافينيوز وصلينا الظهر ، وبقينا في هذا السوق الجميل حتى الرابعة عصراً ، لأننا على موعدٍ مع الرجل الكريم بدر بن خلف الدلبحي العتيبي الذي أصر علينا بالعشاء الى الدرجة التي لم نستطع معه أن نعتذر ولو بكلمة ، فوجدنا أنفسنا أمام أصراره طائعين . وبرفقة أبن العم الدكتور عبدالعزيز وأبنه مساعد متشرفين و أتجهنا إلى حيث يقيم مضيفنا . 

في منزل بدر بن خلف العتيبي أمسية شعرية .... ومشاعر كبيرة : 

بلطف منه والتفاف حميد من قبله أهتبل صديقنا براك العتيبي فرصة وجودنا في الكويت وأبى إلا أن يمارس كرمه العابر للحدود ، فأوعز إلى خالة بكل ثقة بأن يستقبلنا في بيته ويضيفنا ، لا أخفيكم أنني في البداية عتبت على صديقنا براك ، ولكنني حين رأيت أريحية أبي ناصر باركت من قلبي خطوة براك ، قمة الكرم أن يستقبلك بحفاوة من لم تجمعك به سابق معرفة ، وفي زمن البراجماتية المسعورة ، والعلاقات المرتبطة بالأنا المقيت تجد مثل هذا الرجل الذي لازال يستقي الشهامة العربية من جذورة التي لم تجففها عصور الجفوة والمنفعة ، ليثمر أبو ناصر - أكرمه الله - ترحاباً وكرماً 
تــراهُ اذا ماجئتَــه متـهــلّلاً
كأنّك تعطيهِ الــذي أنتَ نائلُــه
ولوْ لمْ يكنْ في كفّهِ غيــرُ روحهِ
لجادَ بهــا فَلْيتّقِ الله سـائـلــه
ترى الجندَ والأعـرابَ يغشونَ بابَهُ
كما وردتْ طيب الصفات نواهلــهُ
في منزل بدر العتيبي كان للشعر حضوراً لايطغى عليه إلا حضور ناصر بن دغش صديقي الشاعر الذي تسلطن حتى أبهر ، وتألق حتى نال تفاعلاً لايجده الشاعر إلا في مثل هذه المجالس التي تتستند على الذوق وتتسضي بالذائقة ، وتتوهج بالكرم والأريحية و بعد عشاءٍ فاخرٍ في المجلس الفخم الفاخر أختتم صديقنا الشاعر بهذه الأبيات التي أرتجلها والمناسبة :
الطيب جا باصوله
من جيت انا لخواني. 
اكتاب نور فصوله
بومساعد اصلاً باني. 
براك اهو مسؤله
وخاله عزيز الشاني. 
البدر فارع طوله
بالعز والاحساني. 
بوناصر فعل وقوله
للاجنبي والعاني. 
بالطيب وصل اسطوله
لاخر قرى العتباني. 

نتمنى أن تجمعنا الأيام بهذا الرجل النادر والفارع الطول والطولة ، وأن يتفضل علينا بالزيارة يوماً . 


اللقاء القادم : وتلفتت عيني فمذ خفيت ... عني الكويتُ تلفت القلبُ !

الأربعاء، 13 مارس 2013

الحلقة الثالثة من زيارة دولة الكويت


٣/ جولة في الكويت القديمة ... لكل شيءٍ إذا ماتم بنيانُ !

بعد أن قضينا من عشاءنا في الهيلتون أتجه بنا أبو مساعد - رضي الله عنه - إلى الكويت القديمة أو مايسمى (الديرة ) فتجولنا فيها ، ولكننا رأينا أن هذا المكان لابد وأن يزار نهاراً ، وبعد أن شربنا الشاي في مقهىً يكتض بالناس غادرنا المكان عازمين على العودة إليه في ضحى اليوم التالي . 
نهضنا في ذلك الصباح الجميل فأخبرنا أبو مساعد أنه تلقى أقتراح بأن نتناول أفطارنا في مطعم ( بزه ) وهذا الأسم مأخوذ من التراث الكويتي كأسم نسائي كان له حضور في مجتمع الكويت على غرار ( قماشة ) ومن ينسى قماشة ذلك المسلسل الدرامي الأبداعي الذي كان حديث الساعة . 
وأعتقد أن إسم ( بزه ) وأرتباط سلسلة مطاعم بزه بالأفطار يعطي دلالة بمدى أرتباط تحضير الأفطار بالنساء وخاصةً كبار السن ، وفي مطعم البزه الذي وجدناه شبه مزدحم بالرأي الناعم الذي يشكل فيه الأغلبية ( المتحدثة ) ، جلسنا ثلاثتنا ورضيت لأول مره أن أكون من ضمن الأقلية الصامتة ! 
في ( بزه ) كل الأواني والديكورات توحي لك بأنك تجلس في التاريخ ، لولا أصوات (الموبايلات ) التي ترن حولك وتقطع شريط العودة إلى حياة الماضي ، الأفطار شهيٌ تتناوله الذائقة ، وتستمتع به الحواس ، ويبعث في النفس شوقاً لأيام الزمن الجميل . 
----- 
آثار الغزو الغاشم ... إن القرصان وأن لبسوا أطرأ الاشياء هم القرصُان ! 
يقف وكأنه يتحدث ، صامت وكأنه ينصت لصخبٍ لاليترجمه بل ليحاول أستيعابة ، كأنه فيلسوف لايعبأ الناس برأية رغم مايمتلك من الحكمة والتجربة لذلك فأنه لايشعر بوحشة المكان وأن أشتكى جور الزمان ، إلا أنه لازال يكن للكويت كل معروف ، ذاك هو قصر الشيخ خزعل الكعبي ، حين كانتا الكويت وبوشهر يربط بينهما البحر كجسرٍ في حديقة ، مينائين عربيين ، وبنو كعب هناك يحفظون للخليج عروبته من قبل الضفة الشرقية وآل الصباح هنا يمدون للعرب جسوراً من التواصل فرضها الواقع السياسي ووحدة المصير ، ذهبت دولة خزعل ، وبقي قصر الأمير الكعبي شاهداً على تلك الحقبة ، ولكن جاء مدعو العروبة الذين حاربوا من أغتصب أحواز خزعل لاليرمموا القصر بل ليشوهوه بقذايف المدافع ، ليقتلوا العروبة بأدعاء العروبة ، وليكونوا نواباً عند أعداء خزعل من حيث يعلمون أو لا يعلمون ! وكأنهم ينتقمون من التاريخ ، ومن الجغرافيا ، أنها بربرية الغزاة ، وأخلاق الديماغوجية الموتورة ، ورغم ذلك بقي قصر خزعل الكعبي يقاوم الزمن كمقاومة أبناء الأحواز للحفاظ على هويتهم ، وأسعدني جداً حين قررت وزارة الثقافة الكويتية ترميم القصر ، لأن إهمال الأثار النادرة كأهمال الكتاب النادر آحادي النسخة . 
تركنا القصر الأثري وأتجهنا نحو سوق البلد القديم ( المباركية ) أوقفنا السيارة وترجلنا نحو مسجد أبن بحر لأداء صلاة الظهر وهذا المسجد من أقدم مساجد الكويت ، أعيد ترميمة قبل سنوات ، لفت انتباهي أن المحلات لم تغلق بأكملها نصف الأبواب مغلقةً فقط ، برغم أن الذين يعملون في هذه المحلات من العمالة الوافدة الأ أن التقليد الكلاسيكي لازال حياً في وجدان المكان ، لم نر شيخاً بجواره عسكري يأمر الناس بالذهاب إلى الصلاة !!ولم نكد ننتهي من الوضؤ حتى أقيمت الصلاة ، فلا التزام هنا بتوقيت الأوقاف لأن المسجد في سوق والجميع يحيطون بالمسجد ، والسوق فيه مصالح الناس ، ودين الأسلام دينٌ مرن وليس جامداً ولايخضع لمن يريد أن يجمده ، الجمود في العقول فقط . 
أنتهينا من الصلاة فأومأ اليّ فقيه الرُخص صديقي الشاعر - بأن نصلي العصر - وماأسرعني إلى فقه الرخص .. جمعنا الفرضين وخرجنا الى شارع الغربللي وهو من أقدم شوارع ( الديرة ) ومنه الى شارع الدهلة وسوق الخضار القديم وسوق السمك ، 
وشارع ( القت ) هنا رائحة الخليج تختلط رائحة الأسماك برائحة العود الهندي الذي وصل الى هذا الأرض منذ مئات السنين حين كانت التجارة بين الهند والكويت كالحبل السري الذي تغذي كل جهةٍ به الجهة الأخرى .
في هذا المكان يجلس في أماكن متفرقة شيوخٌ مسنون لايبيعون ولا يشترون بل وأكثرهم صامت ، لايقطع صمته إلا رد التحية بأجمل منها ، إن كانت الأسواق مرتبطةٌ بالواقع وحمى المنافسة التجارية فأنها بالنسبة لهؤلاء لاتعيش في أيديهم ولكنها تعيش في وجدانهم ، ولا تجذب أطماعم بقدر ماتداعب ذكرياتهم ، أتوا إلى هذا المكان ليستعيدوا بعض شبابٍ فقد ، وذكريات طمستها الأيام ،وأناس ٍ غيبتهم الأقدار
وحبب أوطان الشباب إليهم ... مآرب قضاها الشباب هنالكا 
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم ... عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا !
هؤلاء المتأملون يفلسفون تأملهم بطريقتهم لم يخضعوا لمقولة ( جول دو غوتييه حين قال : على الحنين إلى الماضي الحقيقي أن يكون دائماً خصباً وأن يصدر إصداءً جديدة أفضل ) لأنهم لأيملون على الذاكرة إرادتهم ، ولا هي تفرض عليهم ماتريده مساحة تأملاتهم . 
ليسوا مع الناس وأن كانوا يعيشون بين الناس ، لم يأتوا إلى مكانٍ خالٍ من البشر لينادوا ويجيبهم صدى المكان بل أنهم آتوا إلى مكانٍ صاخب يضيع فيه حتى صدى أصواتهم !. 
في وسط الديرة هناك مبنى صغير عليه لوحةً تذكارية ذاك هو ( كشك مبارك الصباح ) وقد يتبادر إلى الأذهان بأن هذا كالأكشاك المتعارف عليها والتي تقدم بعض المأكولات والمشروبات ، ولكن هذا الكشك كان يقدم خدمات عامة ،، مجانية بمعنى أنه مكتب إرتباط للأمارة يجلس فيه الشيخ مبارك الصباح لأدارة شؤون السوق وفض المنازعات بين التجار بعضهم البعض وبين العملاء ، وغيرها من المشكلات التي أرتبطت بالمجتمع . 
وقد تم ترميم هذا المعلم التاريخي برغبة من سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد وتم إلانتهاء من المشروع في٢٣ مارس ٢٠١١م . 
بأشراف مباشر من قبل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، وبما أن الشي بالشي يذكر فأنني مدان لهذا المجلس بالكثير من المعروف فهو يقوم بدور كبير في ترجمة الآداب العالمية ولدي الآن في مكتبتي العديد من الكتب والروايات ولولا الله ثم هذا الصرح الأبداعي لما حصلت عليها بهذه الأسعار التي لاتكلف أفطار ساندوتش في مطعم شعبي ، وهذه من المميزات التي تسجل للكويت . 
في أثناء جولة الديرة لفت أنتباهي تخصص بعض العمالة فالأيرانيون مثلاً متخصصون في بيع التمر ، والمصريون في المقاهي ، والهنود في سوق الأسماك ، وأما العمال الأيرانيون فأنهم حالة خاصة حتى وهم على بسطة البيع وفي قلب الكويت فأنك ترى توتر ( طهران ) ظاهراً على ملامحهم وتصرفاتهم .!

بعد هذه الجولة الثرية أتجهنا إلى أبراج الكويت وأقترح أبو مساعد - حفظه الله - أن نتناول قهوتنا في مقهى البرج فتوقفت وسألته أي دائرة الكبيرة أم الصغيرة ؟ فقال في أعلى دائرة فأصابني الخوف ولكني جاملت وتظاهرت بالموافقة والحماس إلا أني من الداخل أخشى الأماكن المرتفعة فأنا منذ الصغر كان لايعتمد على في تسلق أشجار اللوز وأكتفي بتجميعة من على الأرض ! وبدأت أفكر في حالة الدوار التي ستصيبني  وكيف سأتعامل مع الموقف ولكن فور وصولنا الى الباب أخبرنا الحارس أن المكان مغلق للصيانة ! فسأله أبن العم أبو مساعد : ومتى سينتهي فأجاب الحارس على الفور : بعد سنه ! كنايةً عن البيروقراطية أو كانت سرعته تعبر عن أجابة الملول الذي يكرر هذه العبارة لكل زائر !
وتنفست الصعداء وقلت بارك الله في هذه البيروقراطية التي أنقذتني من هذا المكان الشاهق ، ليت لي في كل موقف مخيف مخلصاً بيروقراطياً ! 
وبما أن البرج مغلق أتجه بنا أبو مساعد إلى أحد المقاهي القريبة من البرج ، وعلى أصوات طيور النورس ، وشغبها ، وهدؤ البحر تناولنا ألذ قهوةٍ ، وأستمتعنا باجمل الآجواء وأعذب الحديث . 

في اللقاء القادم : ديوانيات الكويت مجالس وجلساء !!

الثلاثاء، 12 مارس 2013

الحلقة الثانية من زيارة دولة الكويت

٢/ رحلتنا الى الكويت : ويارجالاً أحلتني مرؤتهم في أي محتضنٍ من أي محتضن !


في يومنا الأول وبعد أن أنتهينا من وجبة الغداء كانت الشمس تؤذن بالمغيب ، ولا حاجة لنا بالشمس والوجوة الكريمة أمامنا مشرقةٌ بالبشر والأريحيةِ ، أقترح أبو مساعد أن نقضي الليلة الأولى في جولة مع أبنيه الكريمين : مساعد ونافع ، فوافقنا على الفور ثم توجهت بالطلب - على إنفراد - الى الأخ نافع الأبن ألاصغر سناً والأكثر تمرداً فهمست في أذنه ( إلى سوق شرق ) أرنا هذا السوق الفاتن الذي قال فيه الشعراء أكثر مماقيل في الرصافة . فقال ضاحكاً : إن هذا السوق أصبح في مؤخرة قطار المنافسة بل وأقرب إلى كنيسة أرذوثكسية في شارع الشانزليزية ! قلت لابد أن نذهب إليه لأتأكد من صحة قول ذلك الصعلوك محمد أبن الذئب - فك الله أسره - حين قال : 

جنبوا عن سوق شرقٍ حسبنا الله وعلاه 

فيه بنت الهاص طاغيةٍ على بنت السبيت 

وان لمحها شيبة الديمن تعثر في عصاه .

وافقني نافع - مشفقاً علي - ولم أعرض طلبي على صديقي الشاعر لأن أبا عبدالرحمن من الذين قيل فيهم : 

وأذا صاحبت فأصحب ماجداً 

ذا حياءٍ ووفاءٍ وكرم 

قوله للشي : لا ان قلت لا 

وأذا قلت نعم ، قال : نعم 

أتجهنا الى سوق شرق وكل الذي يشغل بالي كيف أستطاع أبن الذيب أن يدمج النساء في أجواء أوراق ( البلوت ) وهل أنه محقٌ حين رأى أن حياة العشاق لعبة تبدأ بصفقة رابحة وقد تنتهي بصفقة خاسرة ! حتى الرجل المسن لازال في قلبهِ خفقان لايهدأ ! فماهو حالنا حين نذهب إلى سوق شرق ونرى بنت الهاص الطاغية وبنت السبيت المطغيّ عليها ؟ ولكني لو رأيت ذلك (الشايب) يتعثر في عصاة لن أسنده ولو تحطمت بقايا عظامة مادام أنه عازمٌ على الدخول في حمى المنافسة !
ولكن شئياً بدد كل تخيلاتي وأوهامي هو سوق شرق نفسه رأيته يقف بهدؤ ورهبة وكأنه أصبح شيخ مولات الكويت حتى مرتادية كأنهم يتحدثون همساً في حضرة سوقاً بلغ سن الرشد وكأنه شيخاً يتهامس أحفادة في حضرته خوفاً من إزعاجه الذي قد يتسبب في إخراجهم من المكان ، لم نجد ذلك الصخب الذي لازمه في قصائد الشعراء ولكن أين يذهب سوق شرق من الشعراء شهود التاريخ ؟ 
في مقهى ستار بكس - شرق شربنا قهوتنا وتناولنا الأحاديث مع أخوةٍ كرام يتنقون الكلمات كما يتنقى عاشق التمر أطايب التمر ، وخرجنا بعد أن أشاروا إلينا بالعشاء فقلنا مادام الأمر شورى فأنه لاحاجة لنا بعشاء بعد ذلك الغداء الفاخر .. وضننا أنهم سينزلون عند رغبتنا وأنهم أقل عناداً من أبيهم - ولكنه عناد الكرماء - فوجدناهم حيث قال الشاعر : 
وينشأ ناشي الفتيان فينا ... على ماكان عودهُ أبوهُ . 
ففرضوا علينا بعنادهم البجلي وكرمهم الفطري المتوارث عشاءً لايفوق طعمه إلا حفاوتهم وتفاعل ناصر بن دغش المعتاد مع مالذ وطاب من الوجبات ! 
ثم عدنا إلى المنزل وقضينا وقتاً جميلاً مع أبي مساعد الذي كان يسألنا عن إنطباعتنا وكيف كانت الجولة ؟ ولكن أنى تأتي الأجابة من السنٍ عقدتها الحفاوة . 

الأفينيوز : وجبة أفطار على مذهب الشعراء :
في الساعة العاشرة صباحاً أيقضنا أبو مساعد وقال لنا : سنفطر في الأفينيوز ، 
ووصلنا أفينيوز ومادراك ماأفينيوز كأن الثقافات صهرت من بلاد الباسفيك الى أطراف جبال الأنديز !وصبت في هذا المكان . 
كأنك في محشر إلا أنه لاسؤال ولا خوف !
أن أردت أن تعرّف العولمة فلا تلتفت لكل التعريفات الفلسفية فقط أذهب إلى افينيوز ! 
ولو جاء على بن الجهم اليوم ودخل أفينيوز سيرى أن قصيدته عيون المها بين الرصافة والجسرِ ،، ماهي إلا عبث بل أنها ستعود في مستوى قصيدته التي شبه فيها الخليفة بالكلب والتيس ! 
الساعة العاشرة صباحاً وهذا المجمع لايهدأ خلافاً على ماتعودناه في بلادنا بأن المولات لاتزدحم إلا ليلاً . 
ولكن هناك في أطراف الأفينيوز جزء أقيم ليقول للعولمة نحن هنا وتراث الكويت قائمٌ ولو كان تيارك هادر ، والأصالة ثابتة جذورها ولو هبت المعاصرة بريح كريح ثمود ، أنه سوق يحاكي سوق المباركية القديم والذي سيأتي الحديث عنه لاحقاً . 
دخلنا إلى أحد مطاعم الأفينيوز لتناول الأفطار فحين أشار إليّ أبا مساعد بالجلوس نظرت وأذا بالنساء يجلسن في الطاولات المجاورة ففزعت وتوقفت قلت : عوائل عوائل ، فضحك أبو مساعد وأشار الي بالجلوس مرةً أخرى ، فجلست ورهبة الفصل بين النساء والرجال تتملكني ، هنا لايفصل الرجال عن النساء برغم ذلك لم ينظر الرجل إلى المرأة بأنها شاة ، ولم تنظر المرأة إلى الرجل بأنه ذئب ، بل نظر أحدهما إلى الآخر بأنه إنسان وجلوس المرأة والرجل على طاولات منفصلةٍ في مكان عام ليس خروج عن الأدب ولكن الخروج عن الأدب حين يتتبع الرجل المرأة وهي بكامل حجابها ولو كانت منفصلةً عنه . 

أنهينا فطورنا وأذا بأذان الظهر يصدح في جنبات الأفينيوز فنهضت مفزوعاً حين جاءت القهوة فقال أبو مساعد : إلى أين قلت له المحل سيغلق فقال : (أجلس يامعود ماكو مكان يغلق عندنا) لأن من يريد أن يصلي لن يدفعه إغلاق المحل إلى الصلاة ، فأمر إلاغلاق هنا أختياري 
من أراد أن يغلق محله فليفعل ومن لم يرد فلا أحد يجبره ! 
وتجولنا بعد ذلك في أرجاء هذا السوق الضخم الذي يكبر يوماً بعد يوم ، فأن كان سوق شرق هو شيخ مولات الكويت فأن أفينيوز هو الشاب المتوقد الذي يثب إلى المستقبل ويشغل الحاضر . 
عدنا بعد هذه الجولة الجميلة إلى منزل أبي مساعد لنستعيد نشاطنا إستعداداً للجولة المسائية التي بدأت بأستعراض الشوارع الرئسية بأتجاه السالمية مروراً مجمع (ثري سكستي - 360 ) ومنها إلى منطقة الفحيحيل فلفت انتباهنا مبنى جميل على الطريقة الكلاسيكية فأخبرنا أبو مساعد أنه مجمع ( الكوت ) في منطقة الفحيحيل والكوت باللغة البرتغالية تعني القلعة ، فأوقفتا سيارتنا وولجنا المبنى الذي قسم الى ممرات مسماة بأسماء شيوخ الكويت عبر التاريخ الكويتي من آل الصباح الكرام . 
وفي وسطة بركة ماء كبيرة تعلو فيها النوافير وعلى ضفة هذه البحيرة الصغيرة مجموعة من المقاهي والمطاعم فلم نستطع حينها مقاومة الرغبة في الجلوس وكان لقطرات المطر المتساقطة بهدؤ فعل السحر على قلوبنا ، فأخذنا مكاننا في أحدى الجلسات وأحتسينا قهوتنا وأمضينا أجمل وقت ، فلوكنت في السجن - لاسمح الله - فلن تشعر بثقل المكان ورفيقك أبو مساعد . 
بعدها أتجه بنا أبو مساعد إلى فندق الهيلتون وتناولنا عشاءنا في مكانٍ لا أجمل منه إلا من أتى بنا إليه .

اللقاء القادم : 
جولة في الكويت القديمة ... لكل شيءٍ إذا ماتم بنيانُ !



الاثنين، 11 مارس 2013

الحلقة الأولى من زيارة دولة الكويت


إبتداءً من اليوم وعلى عدة حلقات سأنقل ماسبق كتبته عن تفاصيل رحلتي إلى الكويت ، إنطباعاً عشته ولا أبد أن أذكره ، عجباً رأيته ولابد أن أترجمة ، كرماً وجدته ولايجب أن أمر به مروراً ... فوالله أنه كرم ٌ ليس كالكرم ... تجربةٌ جديدة سيكون لها كبير الأثر علي ماحييت . (نواف بن جارالله)


----------------------------------------

الحلقة الأولى :
في يوم الأثنين الرابع من صفر ١٤٣٤ 
١٧ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ١٢:٢٥ ظهراً كان موعد إقلاع الطائرة من جده إلى دولة الكويت الشقيقة : وقد غدوت الى الإسفار يصحبني مؤنسِاً ثابت الأقوال مغوارُ ... مع تمام العذر لعمنا الأعشى ، ذلك الصديق هو الشاعر ناصر بن دغش .
وفي موعد الاقلاع كان الطيار خالد الحازمي - حفظه الله - قد احتضن السماء بطريقة إقلاع احترافية ، فهناك إقلاع وهناك إقتلاع وحين أقلعت الطائرة تذكرت قول شوقي :
أركب الليث ولا أركبها ..... وأرى ليث السرى أوفى ذماما .
--------
ولكني خالفت شوقي وركبت الطائرة ولو وجدت ليثاً يطيعني لأمتطيته في سبيل أن نلتقي برجالٍ يندر أن تجود بهم الأزمان ! .
وفي الساعة ٢:١٥ دقيقة قبيل العصر هبطنا في مطار الكويت وكان الكابتن محترفاً في الهبوط كأحترافه في الإقلاع فكما أن هناك إقلاع وإقتلاع فهناك أيضاً هبوطٌ ، وخبوط !
دخلنا إلى المطار ورأيت الطوابير الطويلة ولكن هناك مكاناً مخصصاً ليس للكويتيين فقط بل لكل الخليجيين ، فالكويت ترى نفسها جزءً من الخليج ليس فقط في الأطار الجغرافي والتصريحات السياسية والتلميحات الدبلوماسية بل على الواقع الحقيقي المعاش .
أستقبلتنا موظفة الجوازات وزميلتها بالابتسامة والترحيب ، وتأخرت إجراءات انهاء دخول ناصر بسبب خطأ الكتروني ، ولا نعلم له سبباً هل هو خطأ في التسجيل من مقر الإقلاع ام ماذا ؟
أبتسمت الموظفة وأعتذرت له بلطف بأن يذهب إلى المكتب المقابل .

حينها بدأت فرائصي ترتعد ودارت في بالي قصص مخابرات الدول العربية التي تستوقف المسافر أياماً وليال ، ولكن الكويت ليست كتلك الأنظمة المأزومة التي لقي بعضها حتفه والبعض ينتظر ! ولكني خشيت أن يكون السبب صديقي وكدت أصرخ بأعلى صوتي أنني لاأعرف هذا الرجل ولم التق به إلا مصادفةً وأنني بريٌ إلى الله والبوليس السري والعلني ، وبدأت أخترع القصص والحيل التي تخلصني من هذا الصديق الذي أصبح في نظري قاب قوسين من القضبان ومكتب التحقيق ! بل أنني أخذت أفكر في أن أكون شاهداً عليه شهادة زورٍ تخرجني من عنق الزجاجة ، وبدأت أتساءل هل هو عضو في تنظيم سري يهدد أمن الخليج وأنه جاء معي ظاهرة المرافق البريء وباطنه الأرهابي المجرم ؟ ولكن لعلمي السابق بأن هذا الشاعر لايعشق الا الصياعة البرئية وأنه إن كان عضواً في تنظيماً من التنظيمات فأنه لن يكون إلا تنظيماً يهتم بشؤون الأستمتاع الحلال بمباهج الحياة في منظومة مطاعم أو ملابس أو سيارات ، أو تتظيم أدبي لايقارب من السياسة ! ولكن ماهي إلا دقائق معدودة وأذا به عائدٌ بجواز سفره فتناولته الموظفة معتذرة عن الخطأ ، وحين جاء دور إنهاء إجراءت دخولي بدأت اقترب من صديقي أكثر من ذي قبل - بعد أن ثبتت برأته - وأخذت أفكر في مصيري كيف سيكون وأنا الذي أغرقت نفسي في السياسة شعراً ونثراً ؟ إذا كان هذا الكائن الوديع بصياعة والصائع برزانة المدعو ناصر بن دغش يحدث له ملاحظة في جواز سفره فكيف سيكون حالي ؟ ولكن المفاجأة المتوقعة أن الموظفة ناولتني الجواز وأمطرتني بعبارات الترحيب فألتفت إلى صديقي وقلت أحمد الله أنك في الكويت هذا البلد الذي لم يجد القمع له مكاناً في ترابه ولا في جينات حكامه ولا محكوميه ... لو كنت في بعض البلدان لسمعت عبارة مرحباً بك بكل قمع ... ولكن هنا في الكويت مرحباً بك في العمق ... عمق القلب .

--------------

بين الجموع .. هناك رجلٌ على وجهه شموخ الطيبين :
انهينا اجراءات الدخول وأتجهنا نحو الصالة الخارجية وبين الحشود المجتمعة أطل علينا رجلٌ على وجهه شموخ الطيبين ، وملامح النجباء ، وأبتسامة الأنقياء .. ذاك هو أبن العم الدكتور عبدالعزيز بن مساعد الياسين البجلي أبرز أبناء قبيلة بجيلة الذين أستقر جدهم نافع بن هلال البجلي في الكويت منذ قرون ، ولقد وجدنا الكويت كريمةً منذ أن أستنشقنا أكسجينها برغم كرم الكويت ألا أن الفتى البجلي فيها كريم الوجه واليد واللسانِ .
أستقبلنا هذا البجلي الأصيل بأعظم مايستقبل به أنسانٌ إنساناً ، فقد حادثنا قبل أن نصافحه .. واحتضننا قبل أن نلامسه وأكرم وفادتنا قبل أن نلج الى منزلهِ ، ومن المطار الى حي اليرموك حيث يسكن أبو مساعد كان مضيفنا يتحدث بأريحيةٍ تجعل الأسير يعد نفسه يسير الى منصة تتويج الوزراء ، فمابالكم بالصديق ، كان يتحدث بحديث ليس كالكلام وبترحيبٍ ليس كالترحاب المتناقل على جفاف الألسنة : 

بين أقوالكم حديث ٌ جميلٌ ...... هو سحرٌ وماعداه كلامُ .
وصلنا الى المنزل فأستقبلنا أولاد أبى مساعد المهندس مساعد والأستاذ نافع ، وأنسابه الثلاثة أزواج بناته : المهندس طارق محمد جاسم الحيدر ، والأستاذ خالد علي سهيل الزنكي ، والأستاذ بدر نجيب صالح الصالح

حين رأيتهم لم يخطر على بالي سوى قول الشاعر : 

هينون لينون إيسارٌ بني يسرٍ .... صيدٌ بهاليل حفاظون للجارِ .
لم يسمح لنا أبو مساعد أن نقيم في أي فندق - وبعناده البجلي - أصر إصرار الصادقين الثابتين أن نسكن في منزلة الكبير به وبكرمه ، فأخذنا - فور وصولنا الى مقر إقامتنا الذي خصصه لنا فوضعنا حقائبنا ووجدنا أكثر مما يتمناه نزيل في أفخم الفنادق . وهل الفندق يقدم الترحاب بتلك الحميمية والاحتفاء التي يقدمها أبو مساعد؟ 
بعد أن تناولنا القهوة أتجهنا الى صالة الطعام حيث ينتظرنا الغداء الذي أعده أبو مساعد إعداداً محلياً بمناسبة قدومنا ، وأشهد بالله أننا حين جلسنا أمام المائدة كأننا نجلس في بيوتنا وهل نحن الأ في بيتنا !؟ فالجميع يحادثونا بظرافة تكسر رتابة اللقاء وتهدم أسوار الكلافة فما أصدق قول الشاعر : 
أحادث ضيفي قبل إنزال رحلهِ ..... ويخصب عندي والمكان جديب ! ولكن أبا مساعد يغير صياغة الشاعر بأفعاله فيصبح البيت : وينعم عندي والمكان خصيبُ.
غداً الحلقة الثانية : ويارجالً احلتني مرؤتهم في أي محتضنٍ من أي محتضن .