من خلال قرائتي عن بني حرم (آل حرم) وجدت أنهم بالأصل عبارة عن تجمع وتحالف عشائري تألف من عدة طوائف وفروع عشائر حجازية انفصلت عن قبيلتها الأم ؛ منهم من بني مالك وبعضهم من الأشراف والأنصار وغيرهم ، ومعظم المصادر الحديثة متفقة على أن اسمهم مستمد من مكان هجرتهم الواقع قرب الحرم المكي ؛ فصار يقال لهم بني حرم أو آل حرم في موطنهم الجديد الذي استقروا فيه .
والسؤال المهم الذي يتبادر للذهن :
من أي بني مالك تلك الفرقة التي رحلت مع التحالف الحجازي الذي صار يسمى بني حرم ؛ لأن هناك أكثر من قبيلة تقيم قرب مكة المكرمة ومنطقة الحجاز تسمى بني مالك ؛ ومنهم قبيلة بني مالك البجلية .
أما عن سبب هجرة تحالف بني حرم فقد أختلف الروايات بشأنها ؛ فبعض الكتب والمصادر تقول أنه بعد معركة حدثت مع قبيلة ثقيف المجاورة لهم* ، والبعض يرى أن الهجرة هي واحدة من الهجرات التي حدثت خلال القرن العاشر الهجري إلى منطقة الخليج العربي بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي التي شهدتها منطقة الحجاز وغيرها من مناطق جزيرة العرب .
ومهما يكن سبب الهجرة فأن الكتب تذكر أن بني حرم رحلوا من الحجاز إلى القطيف ؛ وقيل إلى سواحل عمان ؛ ثم انتقلوا بعد ذلك إلى الساحل الشرقي للخليج العربي بعد أن أنضم إليهم بعض بني تميم ؛ فاستقروا في بادئ الأمر بموضع يقال له حالة نابند بالساحل الشرقي من الخليج العربي ، ثم مدوا نفوذهم ليشمل مناطق أخرى ، وبعد قيام الدولة الصفوية الفارسية بقمع العرب عموماً والسنة خصوصاً ؛ رجع أهل نابند كغيرهم من عرب الساحل الشرقي إلى بلدان الساحل الغربي للخليج العربي ، فاصبحت نابند مهجورة طبقاً لقول لوريمر في كتابه (دليل الخليج) عندما قال :
نابند هي أحد موانئ شيب كوه (شيبكوه) على الساحل الفارسي ، وتقع على الشاطئ الجنوبي لخليج نابند على بعد حوالي ثلاثة أميال من المدخل ، وأهلها من العرب السنه معظمهم من آل هرم (يقصد آل حرم) ولا يزيد عددهم عن 600 نسمة وهم صيادو سمك ولؤلؤ ولديهم 28 بقارة و20 فارجيس ، والبلدة مهجورة بالوقت الحاضر (أهـ) . يقصد أنها مهجورة بالزمن الذي زارها فيه هو عام 1903م .
ونابند منطقة عربية تاريخية لها عدة اسماء أخرى بالكتب والمراجع ؛ مثل : حالة نابند أو رأس نابند وتسمى أحياناً (رأس عصبان) ، ومنطقة نابند ذكرها الحموي بمعجم البلدان عندما تحدث عن كلمة (خور) ؛ فقال : خور ، بفتح أوله وتسكين ثانيه وآخره راء مهملة وهو عند عرب السواحل كالخليج يد من البحر ، وأصلها (هور) فعرب فقيل خور ثم جمع على الأخوار ؛ ومنها : خور شيف وهو موضع دون سيراف إلى البصرة وخور جنابة وخور نابند وغيرهم . أهـ
ويقول الإصطخري ، نابند : رباط فيه مقدار عشرين مسكنا ، وفيه ماء عليه رحي صغيرة ، ولهم زرع على ماء عين ولهم نخيل ، وقبل نابند بفرسخين عين ماء ، وعنده أصيلات نخيل وقباب ليس بها أحد ، وعن يمين نابند على مد البصر نخيل كثيرة ومراع ليس فيها أحد ، وهو مأوى للصوص ، غير أن أهل نابند يتعاهدون هذه النخيل ويجنونها . ويقول المقدسي ، نابند : رباط يُسكن وحوله بيوت عدة وماء يدير رحى صغيرة ومزارع ونخيل . أهـ
وقد أشتهر من أهل نابند في عام 1259هـ (1843م) الحاج راشد النابندي الذي ذكره النبهاني في كتابه (التحفة النبهانية) عندما قال : في سنة 1259هـ بعد زوال خطر وباء الطاعون الذي أصاب منطقة البصرة وماجاورها 1247هـ ، ألتزم أرض الفاو الحاج راشد النابندي وصار يعمر فيها ، وكان مقره عند نهر واقع جنوب الموضع الذي بنى فيه الأنجليز بعد ذلك البنكلة ، والبنكلة هي حجرة للبرق ، وكان الموضع هو آخر مقاطعة الفاو عند نهر العريض وما بعده من جهة الجنوب كان تحت الماء ، ثم صار يظهر ويربو شيئاً فشيئاً حتى أصبحت هناك أرض واسعة ، وفي عام 1280هـ بنيت (البنكلة) التي أستخدمتها الحكومة العثمانية ثكنة عسكرية . أهـ
من الواضح أن النبهاني نَسب الحاج راشد لبلدته التي أتى منها فلقبهُ بالنابندي ؛ وهو لقب لا يدل على نسب الرجل ؛ فربما هو من بني حرم (آل حرم) طبقاً لقول لوريمر بأن سكان نابند كلهم عرب من آل حرم ؛ لكن أيضاً هذه الفرضية لا تحدد نسبه بدقة إستناداً إلى أن بني حرم (آل حرم) تحالف قبلي لا يرجعون كلهم لقبيلة واحدة كما ذكرنا في بداية الموضوع . ويبقى السؤال السابق قائماً :
من أي بني مالك تلك الفرقة التي مع التحالف القبلي الذي صار يسمى بني حرم (آل حرم) ؟ ؛ فربما هم من بني مالك بجيلة ؟ والله أعلم .
-----------------------------------
* يلاحظ أن ديار قبيلة ثقيف تقع شمال بلاد بني مالك بجيلة .