الرشوة آفة المجتمعات في كل الأزمنة والعصور ؛ ففي العصر الجاهلي حدثت رشوة في مجال التحكيم الذي يتم بين القبائل ؛ وقد تحدث عن الموضوع صاحب كتاب "الديباج" ؛ فقال الآتي :
المرتشون في الحكومة (أي التحكيم) أيام الجاهلية ثلاثة ، الأول : ضمرة بن ضمرة النهشلي التميمي عندما تحاكم إليه عباد بن أنف الكلب وسبرة بن عمرو الأسديان ، فاسترشى ضمرة عباداً فنفره على سبرة ، فأعطاه عباد عشراً من الإبل . والثاني : الأقرع بن حابس التميمي الذي تنافر إليه جرير بن عبدالله البجلي وخالد بن أرطاة بن خشين الكلبي من قبيلة كلب بن وبرة ، فمدح الأقرع أحد شعراء قبيلة بجيلة ، فحكم الأقرع لجرير البجلي ونفره على خالد الكلبي . والثالث : مروان بن زنباع العبسي تحاكم إليه السفاح التغلبي وعمرو بن لأيي فارس مخلد من بني تيم الهل بن ثعلبة ؛ فأهدى إليه عمرو وأطعمه فنفره على السفاح .
وعن تعريف الرشوة يقول صاحب كتاب "لسان العرب" ؛ الرَّشْوُ : فِعْلُ الرَّشْوَةِ ، والمُراشاةُ : المُحاباةُ . ورَشاه يَرْشُوه رَشْواً : أَعطاه الرَّشْوَةَ . وقد رَشا رَشْوَةَ وارْتَشى منه رَشْوةً إذا أَخذَها . وراشاهُ : حاباه . وتَرَشَّاه : لايَنَهُ . وراشاه إذا ظاهرهَ . قال أَبو العباس : الرُّشْوَةُ مأْخوذة من رَشا الفَرْخُ إذا مدَّ رأْسَه إلى أُمِّه لتَزُقَّه . والرَّائِشُ : الذي يُسْدي بين الرَّاشي والمُرْتَشي . وفي الحديث : لعَنَ اللهُ الرَّاشِيَ والمُرْتَشِيَ والرَّائِشَ .
وقال ابن الأَثير : الرَّشْوَةُ والرُّشْوَةُ الوُصْلَةُ إلى الحاجة بالمُصانعة ، وأَصله من الرِّشاءِ الذي يُتَوَصَّلُ به إلى الماء ، فالرَّاشي من يُعطي الذي يُعينُه على الباطل ، والمُرْتَشي الآخذُ ، والرَّائش الذي يسعى بينهما يَسْتَزيد لهذا ويَسْتَنْقِصُ لهذا ، فأَما ما يُعطى توصُّلاً إلى أَخذِ حَقٍّ أَو دفعِ ظلمٍ فغيرُ داخِلٍ فيه . وروي أَن ابن مسعود أُخِذَ بأَرضِ الحَبَشة في شيء فأَعْطى دينارين حتى خُلِّيَ سبيلُه ، وروي عن جماعة من أَئمة التابعين قالوا : لا بأْس أَن يُصانعَ الرجلُ عن نفسهِ ومالهِ إذا خافَ الظُّلْمَ . أهـ